Skip to main content

أَخْلاقِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لا يُرِيدُ بِهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ

للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللهُ : فَأَمَّا مَنْ قَرَأُ الْقُرْآنَ لِلدُّنْيَا وَلأَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مِنْ أَخْلاقِهِ : أَنْ يَكُونَ حَافِظَاً لِحُرُوفِ الْقُرْآنِ ، مُضَيِّعَاً لِحُدُودِهِ ، مُتَعَظِّمَاً فِي نَفْسِهِ ، مُتَكَبِّرَاً عَلَى غَيْرِهِ .
قَدْ اتَّخَذَ الْقُرْآنَ بِضَاعَةً يَتَأَكَّلُ بِهِ الأَغْنِيَاءَ ، وَيَسْتَقْضِي بِهِ الْحَوَائِجَ ، يُعَظِّمُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا ، وَيُحَقِّرُ الْفُقَرَاءَ ، إِنْ عَلَّمَ الْغَنِيَ رَفَقَ بِهِ طَمْعَاً فِي دُنْيَاهُ ، وَإِنْ عَلَّمَ الْفَقِيرَ زَجَرَهُ وَعَنَّفَهُ ، لأَنَّهُ لا دُنْيَا لَهُ يَطْمَعُ فِيهَا ، يَسْتَخْدِمُ بِهِ الْفُقَرَاءَ ، وَيَتِيهُ بِهِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ ، إِنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ لِلْمُلُوكِ ، وَيُصَلِّي بِهِمْ طَمْعَاً فِي دُنْيَاهُمْ ، وَإِنْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ الصَّلاةَ بِهِمْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، لِقِلَّةِ الدُّنْيَا فِي أَيْدِيهِمْ ، إِنَّمَا طَلَبُهُ الدُّنْيَا حَيْثَ كَانَتْ رَبَضَ عِنْدَهَا .

يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِالْقُرْآنِ ، وَيَحْتَجُّ عَلَى مَنْ دُونَهَ فِي الْحِفْظِ بِفَضْلِ مَا مَعَهُ مِنْ الْقِرَاءَاتِ ، وَزِيَادَةِ الْمَعْرِفَةِ بِالْغَرَائِبِ مِنْ الْقِرَاءَاتِ ، الَّتِي لَوْ عَقِلَ لَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لا يَقْرَأَ بِهَا ، فَتَرَاهُ تَائِهَاً مُتَكَبِّرَاً ، كَثِيرَ الْكَلامِ بِغَيْرِ تَمْييزٍ ، يَعِيبُ كُلَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظُ كَحِفْظِهِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْفَظُ كَحِفْظِهِ طَلَبَ عَيْبَهُ .
مُتَكَبِّرَاً فِي جِلْسَتِهِ ، مُتَعَاظِمَاً فِي تَعْلِيمِهِ لِغَيْرِهِ ، لَيْسَ لِلْخُشُوعِ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ ، كَثِيرَ الضَّحِكِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ ، يَشْتَغِلُ عَمَّنْ يَأْخُذُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ مَنْ جَالَسَهُ ، هُوَ إِلَى اسْتِمَاعِ حَدِيثِ جَلِيسِهِ أَصْغَى مِنْهِ إِلَى اسْتِمَاعِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ ، يُرِي أَنَّه لِمَا يَسْتَمِعُ حَافِظَاً ، فَهُوَ إِلَى كَلامِ النَّاسِ أَشْهَى مِنْهِ إِلَى كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، لا يَخْشَعُ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ ، وَلا يَبْكِي ، وَلا يَحْزَنُ ، وَلا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْفِكْرِ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ نُدِبَ إِلَى ذَلِكَ . رَاغِبٌ فِي الدُّنْيَا ، وَمَا قَرَّبَ مِنْهَا ، لَهَا يَغْضَبُ وَيَرْضَى .

إِنْ قَصَّرَ رَجُلٌ فِي حَقِّهِ ، قَالَ : أَهْلُ الْقُرْآنِ لا يُقُصَّرُ فِي حُقُوقِهِمْ ، وَأَهْلُ الْقُرْآنِ تُقْضَى حَوَائِجُهُمْ ، يَسْتَقْضِي مِنْ الناَّسِ حَقَّ نَفْسِهِ ، وَلا يَسْتَقْضِي مِنْ نَفْسِهِ ما للهِ عَلَيْهَا . يَغْضَبُ عَلَى غَيْرِهِ زَعَمَ للهِ ، وَلا يَغْضَبُ عَلَى نَفْسِهِ للهِ ، وَلا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَ : مِنْ حَرَامٍ أَوْ حَلالٍ ، قَدْ عَظُمَتْ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ ، إِنْ فَاتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ لا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ ، حَزِنَ عَلَى فَوْتِهِ .

لا يَتَأَدَّبُ بَأَدَبِ الْقُرْآنِ ، وَلا يَزْجُرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . لاهٍ غَافِلٌ عَمَّا يَتْلُو أَوْ يُتْلَى عَلَيْهِ . هِمَّتُهُ حِفْظُ الْحُرُوفِ ، إِنْ أَخْطَأَ فِي حَرْفٍ سَاءَهُ ذَلِكَ ، لِئَلا يَنْقُصَ جَاهُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ ، فَتَنْقُضَ رُتْبَتُهُ عِنْدَهُمْ ، فَتَرَاهُ مَحْزُونَاً مَغْمُومَاً بِذَلِكَ ، وَمَا قَدْ ضَيَّعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى مِمَّا أَمَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، أَوْ نَهَي عَنْهُ ، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهِ .

أَخْلاقُهُ فِي كَثِيرِ مِنْ أُمُورِهِ أَخْلاقُ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُوَن ، لا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ، إِذْ سَمِعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « ما آتاكُم الرسول فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَاِنتَهوا »( الْحَشْر 59/7) ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ طَلَبَ الْعِلْمِ لِمَعْرِفَةِ مَا نَهَى عَنْهُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْتَهِيَ عَنْهُ .
قَلِيلُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَثِيرُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا ، لِيُكْرِمُوهُ بِذَلِكَ ، قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي نَدَبَ اللهُ إَلَيْهِ ، ثُمَّ رَسُولُهُ ، لِيَأْخُذَ الْحَلالَ بِعِلْمٍ ، وَيَتْرُكَ الْحَرَامَ بِعِلْمٍ ، لا يَرْغَبُ فِي مَعْرِفَةِ عِلْمِ النِّعَمِ ، وَلا فِي عِلْمِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ .

تِلاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى كُرْهٍ فِي نَفْسِهِ ، وَتَزَيُّنٍ عِنْدَ السَّامِعِينَ مِنْهُ ، لَيْسَ لَهُ خُشُوعٌ فَيَظْهَرُ عَلَى جَوَارِحِهِ ، إِذَا دَرَسَ الْقُرْآنَ أَوْ دَرَسَهُ عَلَيْهُ غَيْرُهُ هِمَّتُهُ مَتَى يَقْطَعُ ، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى يَفْهَمُ ، لا يَتَفَكَّرُ عِنْدَ التِّلاوَةِ بِضُرُوبِ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ ، وَلا يَقِفُ عِنْدَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِرِضَى الْمُخْلُوقِينَ ، وَلا يُبَالِي بِسَخَطِ رَبِّ الْعَالِمِينَ . يُحِبُّ أَنْ يُعْرَفَ بِكَثْرِةِ الدَّرْسِ ، وَيُظْهِرُ خَتْمَهُ لِلْقُرْآنِ لِيَحْظَى عِنْدَهُمْ ، قَدْ فَتَنَهُ حُسْنُ ثَنَاءِ الْجَهَلَةِ مِنْ جَهْلِهِ ، يَفْرَحُ بِمِدْحِ الْبَاطِلِ ، وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ أَهْلِ الْجَهْلِ ، يَتَّبِعُ هَوَاهُ فِيمَا تُحِبُّ نَفْسُهُ ، غَيْرُ مُتَصَفِّحٍ لِمَا زَجَرَهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ .

إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْرِئُ غَضِبَ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ ، إِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالصَّلاحِ كَرِهَ ذَلِكَ ، وَإِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ بِمَكْرُوهٍ سَرَّهُ ذَلِكَ ، يَسْخَرُ بِمَنْ دُونَهُ ، يَهْمِزُ بِمَنْ فَوْقَهُ ، يَتَتَبَّعُ عُيُوبَ أَهْلِ الْقُرْآنِ لِيَضَعَ مِنْهُمْ ، وَيَرْفَعَ مِنْ نَفْسِهِ ، يَتَمَنَّى أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ ، وَيَكُونَ هُوَ الْمُصِيبَ .
وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ ، فَقَدَ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ مَوْلاهُ الْكَرِيْمِ ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ أَظْهَرَ عَلَى نَفْسِهِ شِعَارَ الصَّالِحِينَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ ضَيَّعَ فِي الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ للهِ ، وَرَكِبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمِ ، كُلُّ ذَلِكَ بِحُبِّ الرِّيَاسَةِ ، وَالَمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا .

قَدْ فَتَنَهُ الْعُجْبُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ ، وَالإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ . إِنْ مَرِضَ أَحَدُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْ مُلُوكُهَا ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ سَارَعَ إِلَيْهِ ، وَسُرَّ بِذَلِكَ ، وَإِنْ مَرِضَ الْفَقِيرُ الْمَسْتُورُ ، فَسَألَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ . يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَيَتْلُوهُ بِلِسْانِهِ ، وَقَدْ ضَيَّعَ الْكَثِيرَ مِنْ أَحْكَامِهِ .

أَخْلاقُهُ أََخْلاقُ الْجُهَّالِ : إِنْ أَكَلَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِنْ شَرِبَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِنْ نَامَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِنْ لَبَسَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِنْ جَامَعَ أَهْلَهُ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِنْ صَحِبَ أَقْوَامَاً ، أَوْ زَارَهُمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلِيْهِمْ أَوْ اسْتَأْذَنَ عَلِيْهِمْ ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجْرِي بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ . وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْفَظُ جُزْءاً مِنْ الْقُرْآنَ مُطَالِبٌ لِنَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ ، وإِنْ كَانَ لا يُؤْبَهُ لَهُ ، وَلا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللهُ :

فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ أَخْلاقُهُ صَارَ فِتْنَةً لِكُلِّ مَفْتُونٍ لأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ بِالأَخْلاقِ الَّتِي لا تَحْسُنُ بِمِثْلِهِ اقْتَدَى بِهِ الْجُهَّالُ ، فَإِذَا عِيبَ عَلَى الْجَاهِلِ ، قَالَ : فُلانٌ الْحَامِلُ لِكِتَابِ اللهِ فَعَلَ هَذَا ، وَنَحْنُ أَوْلَى أَنْ نَفْعَلَهُ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعَظِيمٍ ، وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَلا عُذْرَ لَهُ إِلا أَنْ يَتُوبَ .

وَإِنَّمَا حَدَانِي عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ قَبِيحِ هَذِهِ الأَخْلاقِ : نَصِيحَةً مِنِي لأَهْلِ الْقُرْآنِ ، لِيَتَعَلَّقُوا بِالأَخْلاقِ الشَّرِيفَةِ ، وَيَتَجَافُوا عَنْ الأَخْلاقِ الدَّنِيَّةِ ، وَاللهُ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاهُمْ لِلرَّشَادِ .

من كتاب: “أخلاق أهل القرآن” للآجري ص 87

Comments

Popular posts from this blog

New First Three Years of Life by Burton L. White - بالعربي

السلام عليكم ^_^! <br /> مؤخرا قرأت كتاب عن أول مرحلة بعد الميلاد للطفل ..الثلاث أعوام الأولى. وأحببت تدوين ملخص ما أستفدت من الكتاب. هذا الملخص ليس ملخص دقيق، هو مجرد الأفكار الأهم والأساسية التي استخلصتها أثناء قراءة الكتاب وربما بعض الأفكار التي أستنجتها لم تُذكر في الكتاب حتى. الكتاب بشكل عام مقسم لقسمين..قسم يناقش الثلاث أعوام الأولى بالتفصيل عن طريق المراحل الزمانية، والنصف الأخر يعيد النصف الأول ولكن عن طريق المواضيع والقضايا المهمة. الهدف اﻷساسي للكتاب هو متابعة وتحفيز نمو الطفل بشكل صحي. فلا يوعدك الكتاب أن يجعل ابنك اﻷذكى أو أي شيء مماثل. فقط تفهم التغيرات التي يمر بها الطفل ومتابعتها والتعامل معها بالشكل الصحيح في وجهة نظر الكاتب والقضايا التي تقابل المربي في هذه الفترة. فلنبدأ بالقسم اﻷول بإيجاز: قسم الكاتب مراحل النمو للثلاث أعوام اﻷولى في حياة الطفل ل 7 مراحل زمانية وهم:  من الميلاد لست أسابيع.  من ست أسابيع لأربعة عشر أسبوع.  من ثلاث شهور ونصف لخمس شهور ونصف. من خمس شهور ونصف لثمان شهور. من ثمان شهور لأربعة عش...

كيف تتلو القرآن حق التلاوة؟

للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360) قال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [ البقرة: 121] قيل في التفسير : يعملون به حق عمله (1) . فينبغي لمن أحب أن يكون من أهل القرآن، وأهل الله وخاصته، وممن وعده الله من الفضل العظيم أن يجعل القرآن ربيعا لقلبه، يعمر به ما خرب من قلبه، ويتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاق شريفة، تَبِينُ به عن سائر الناس ممن لا يقرأ القرآن. فأول ما ينبغي له : أن يستعمل تقوى الله عز وجل في السر والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومكسبه، ويكون بصيرا بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلا على شأنه، مهموما بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميزا لكلامه. إن تكلم: تكلم بعلم، إذا رأى الكلام صوابا. وإذا سكت: سكت بعلم، إذا كان السكوت صوابا. قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف من عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن من شره وسوء عاقبته، قليل الضحك فيما يضحك فيه الناس، لسوء عاقبة الضحك، إن سُر بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفا من ا...

عام بلا خمر

كذلك كانت عناوين معظم المقالات التي قرأتها بالأمس. بدأ الأمر بقراءةِ مقالٍ عن الحياة بلا سكرٍ أبيض.. في محاولةٍ منّي لفهم ما أتّبعهُ بشكلٍ أفضل. لكن، ومع تتابع المقالاتِ المُشابهة التي يقترحها الموقع، وجدتني أقرأُ مقالاتٍ كثيرةً ، كلها عن تحدي الحياةِ بلا خمرْ. حينها شعرتُ بأنه كان أولى بي أن أكتب عن عُمرٍ بلا خمر، وليس مجرّد عام. في الواقع، أنا بطلةٌ في نظر أحدهم من أولئك الذين يعانون كثيرًا ليُوقِفوا شرب الخمر. يحتاج التوقف عن شرب الخمر قوةً كبيرةً للغاية. ولو أننا أدركنا هذا، لكان تعامل كثيرٍ من المسلمين المسافرين والمهاجرين إلى الخارج مختلفًا جدًا مع الغرب. على أية حال، هذ ليس موضوعنا. ولكنني فكرت، لِمَ قد لا يتقبّل مني أحدٌ مقالةً عن "عامٍ بلا خمرْ" .. أو، لِمَ سأفشلُ في كتابتها مثلهم؟ الأمرُ ببساطة، أن معظم تلك المقالات تكلمت عن فوائد الإقلاع، وهذا أمرٌ لن أعرفه أنا، فأنا لم أجرّب الخمر أصلًا لأعرف قدر الخسائر التي قد يسببها لي، أو لأقدّر بشكل واضح كيف ستكون الحياة بدونه أفضل، أو أسوأ. لا أعرف كثيرًا .. وفي نهاية الأمر، أنا لا أشرب الخمر، ليس لأنه مؤذٍ في المق...